دوما يبحث الإنسان عن وطن وارض وهوية, هذه الخصائص الثلاث لا تلتقي إلا في كيان سياسي له حدوده البرية الآمنة, والجوية التي يستظل الوطن والمواطن تحتها, ويكون لهذا الكيان سلطته التي يقرر بها ما يشاء من قوانين ومراسيم ودستور, تكون جميعها لتحقيق أمن المواطن, ولكن إذا فقد هذا الكيان السياسي قدرته على أن يحمي نفسه وسلطته, فكيف يحمي مواطنيه؟!
فالأولى لهذا الكيان" الفاقد للحرية والكرامة" أن يبحث عن سبيل آخر يواري به سوأته ولا يبقى تحت ذل المحتل, وعنجهية المغتصب وهوان السلطة... وليأخذ من بيت الشعر عنواناً له " فإما حياة تسر الصديق وإما ممات يغيظ العدى".
التكفجي : الاستيطان يهدف إلى رسم الحدود وفق رؤية الاحتلال
يوضح خليل التفكجي -خبير الخرائط والاستيطان من القدس- لصحيفة "الاستقلال" الأسبوعية الصادر بغزة, أن "إسرائيل" تطرح فكرة تبادل أراضٍ مقابل تبادل سكان في منطقة وادي عارة وأم الفحم، بدفع هذه المناطق المكتظة بالسكان إلى السلطة الفلسطينية، مبينا أن هذه الخطوة تندرج ضمن سياسة التطهير العرقي.
وحول ما تفرضه المستوطنات من وقائع على الأرض، أوضح التفكجي أن التوسع الاستيطاني يفرض لكي يصبح معلوما، "وبعد ذلك يصبح حقائق تؤخذ بعين الاعتبار"، مبينا أن الاستيطان يهدف إلى رسم الحدود وفق الرؤية الإسرائيلية وفرض أمر واقع على هذا الأساس.
وعن كيفية التعامل مع هذا الوضع، قال: "يتم التعامل وفق الحلول الخلاّقة التي يجب على السلطة القيام بها، والمتمثلة ب(لا مفاوضات إلا بتجميد كامل الاستيطان) الذي لم ينته الأسبوع الماضي بإقرار بناء١٢٠٠ وحدة استيطانية جديدة في القدس المحتلة والإعلان عن ١٠٠٠ وحدة أخرى".
وتابع الخبير الفلسطيني: "يجب على الفلسطينيين أخذ قرار واضح بحل السلطة كونه أفضل الحلول في هذا الوضع، وعلى الاحتلال تحمل الأعباء ّ الكاملة للسكان، لأن "إسرائيل" تنظر إلى السلطة على أنها حكومة بلديات، في حين أن العالم ينظر إليها على أنها كيان سياسي عليه التزامات وواجبات الدولة أمام المجتمع الدولي".
القميري: حدود دولة الاحتلال النفوذ والتطلع الاستعماري غير المحدود
أما المحلل السياسي والمتخصص بالشأن الصهيوني عطا القميري -من الداخل المحتل- فيؤكد وجود ميل في "إسرائيل" نحو تشديد العنصرية في الدولة والمجتمع الإسرائيلي الذي أخذ بترسيخ وتأطير قوانين تبعث مخاوف لدى فلسطينيي الأراضي المحتلة عام ١٩٤٨ من طردهم وتهجيرهم عن أرض الآباء والأجداد.
وحول العيش في ظل دولة لم تقرر حدودها وحقوق المواطنين فيها، أشار القميري إلى إحساس المحتل بالخطر المستقبلي، سواء كان ديمغرافيا أو أمنيا يدفعهم إلى العدوانية؛ "لأن الخائف مهووس في حماية ذاته". وأضاف: "حدود الدولة هي النفوذ والتطلع الاستعماري والأمني غير المحدود وفق رؤية شارون، وخطورة التلويح بتبادل الأرض والسكان تكمن في الفكر الذي يخرج عن هذه الفئة".
وعن (عبرنة) الشوارع والحواجز، أوضح القميري أنها تهدف إلى استمرار إلغاء الهوية الفلسطينية وسرقة الحضارة والثقافة بتحويل أسماء القرى إلى أسماء "كيبوتسات" استيطانية مثل قرية جبع التي تم تحريفها إلى اسم مستوطنة "جيفع".
ابو عطايا: "اسرائيل" ستفرض قانون المحكمة وليس "يهودية الدولة"
المحلل السياسي باسم أبو عطايا، يعتقد أن دولة الكيان هي الدولة الوحيدة في العالم التي لا دستور ولا حدود لها، كون ذلك يتعارض مع الفكرة اليهودية في الدولة النواة، وهو ما كان سبب الخلاف في عدم إعلان دستور حدود الدولة -وفق قول أبو عطايا-. وأضاف: "إن تحديد "يهودية الدولة" يفتح تساؤلا: من هو اليهودي؟، وهذا يتعارض مع الفكر الذي يقول إن حدود دولة "إسرائيل" تقف عند آخر قدم يصلها جندي إسرائيلي".
وأشار أبو عطايا إلى أن كل من هو داخل حدود الدولة يجب أن يثبت الولاء لها، من بينهم "الإسرائيليون" أنفسهم و"الفلاشا" و"الاسفارديم" و"الاشكناز" الذين لا يعترفون ب"يهودية الدولة".
وفيما يتعلق بمخاطر إعلان يهودية الدولة على فلسطينيي الداخل المحتل، يؤكد أبو عطايا أنها مقدمة لطردهم من أرضهم عبر فرض الخدمة العسكرية عليهم، أو فرض أداء التحية للعلم، والخدمة في الجيش، والذي يعني -في حال الرفض- عدم الولاء.
وأردف قائلا: "أيضا يصبح مقدمة لحرمان فلسطينيي ٤٨ من الخدمات الصحية والتعليمية وخدمات البنى التحتية، مؤكدا أن دولة الاحتلال لا يمكن أن تفرض قانون "يهودية الدولة" على عرب الداخل المحتل أو أن تقره، وستأخذ بنود القانون التي نصت عليها المحكمة (من لا يثبت ولاؤه سيتم ترحيله) مضيفا: "إن محاولة حركة "كهانا" الأسبوع الماضي افتعال خلافات مع الشرطة أو الجيش في مدينة أم الفحم هي مقدمة لجس النبض ورؤية لمدى إمكانية تطبيق القانون في المرحلة الحالية".
وفيما يتعلق بفكرة ليبرمان حول تبادل الأراضي، قال أبو عطايا: "إن هذا يعني أن الدولة هي التي تسن هذه القوانين المتطرفة وأن فكرة "الترانسفير" ليست جديدة ولا يمكن تنفيذها بجرة قلم من الناحية الدولية أو قانونيا". واستطرد متابعا قوله: "لا يمكن أن يتم هذا إلا وفق اتفاق بين دولة الاحتلال والسلطة؛ لأنها هي من يملك القرار والقدرة على ذلك".
وحول قدرة السلطة على اتخاذ قرارات أحادية الجانب، أوضح أبو عطايا أن تجربة ١٧ سنة من المفاوضات الفاشلة تؤكد أن السلطة أضعف من أن تأخذ أي خطوات أحادية الجانب، "هي يمكن أن تنسحب من المفاوضات إلى أن يتم تجميد الاستيطان لمدة شهر أو شهرين؛ لأن السلطة بحاجة إلى قرار فلسطيني جامع ليكون هناك استعداد لمواجهة أي ظروف يمكن أن تطرأ"، وفق المحلل السياسي.
أبو عيد : من يملك القوة لا يحميه القانون
في ذات السياق، يوضح الدكتور عبد الله أبو عيد -أستاذ القانون الدولي في جامعة بيت لحم- ل"لاستقلال" أن القانون الدولي قائم على منطق القوة، ومن لا يوجد معه قوة تحميه لا يمكن أن يخدمه القانون. وقال أبو عيد: "الولايات المتحدة قامت على إبادة العرق الأحمر، وكذلك دولة الاحتلال تسعى إلى إبادة العرق العربي".
وعن خطورة اتخاذ قرار ب"يهودية الدولة"، أكد أستاذ القانون الدولي أن هذا القرار يمكن أن ينظر إلى العرب سكان الأرض الأصليين كأنهم غرباء، وهنا تكمن خطورة هذا القرار بطرد من هم غرباء عن هذه الأرض وفق قانونهم. وبين أبو عيد أن إعلان يهودية الدولة ينظر إليه من جهة العالم المستنير والديمقراطي أنه دولة ذات طابع عنصري عرقي تقوم على التمييز "الأبارتهايد".
وردا على سؤال: هل عدم إعلان دستور الدولة ينقص من سيادتها؟، أجاب د. أبو عيد بالنفي، موضحا أن الدولة يمكن أن تستعيض عن الدستور بقوانين أساسية مثل بريطانيا التي لا دستور لها.
عوض : السلطة و " إسرائيل" لن يقدما على خطوات أحادية
المحلل السياسي أحمد رفيق عوض، أعرب عن اعتقاده بأن السلطة غير جادة في اتخاذ خطوات أحادية؛ لأنها تحتاج إلى دراسة معمقة و ترتيبات مسبقة مع المجتمع الدولي، كونها -أي السلطة- قامت عبر المفاوضات وبرعاية دولية، وتحتاج إلى موقف عربي داعم "لكنه غير متوفر في الوقت الحالي".
وحول التهديدات "الإسرائيلية" بانسحابات أحادية الجانب من الضفة، أكد عوض أن الوضع هنا يختلف عن غزة وشمال لبنان؛ لأن دولة الاحتلال تحكمها الأفكار "الحاخامية" "والتلمودية" التي تعتبر أرض الضفة من "يهودا و"السامرة" ولا يمكن التخلي عنها، مشيرا إلى أن ما حصل من انسحابات أحادية من طرف الاحتلال لا يمكن أن يتكرر مرة أخرى لثبات فشله السياسي والأمني".