لكل الثوار .. إعتذارٌ فاعتذار
السيد إبراهيم أحمد
ومثلما بات الشعب العربى كله يرزح تحت نير الأبواق الإعلامية الخادمة للسلطات الحاكمة ، والموجهة عمداً نحو آذاننا لتعيد صياغة الكلمات كما يجب أن نفهمها ، وكما يريدوننا هم أن نفهمها ، حتى الأحداث التى نراها ونفهمها ، يخرج علينا من يحلل ويفسر عبرصناديقهم التلفازية الكئيبة ليلوى عنق الحقائق حسب رؤيا وهوى الزعيم ،الأب الحاكم ،والقائد الملهم المفكر، والشيخ الوالد ( كل قارىء عربى يختار اللقب السارى فى بلده وينطبق علي رئيسه أو مليكه المفدى) .
أصبحنا وأمسينا على مفاهيم حكمائهم ورؤاهم ، قالوا لنا أن الشباب لا يحب المشاركة السياسية : صدقناهم ، ويهرب من الخدمات التطوعية : صدقناهم ، ولا يتحمل المسئولية : صدقناهم ، ويحاول الهروب إلى الدول الأوروبية الدولارية واليورية : صدقناهم ، ويحب مشاهدة الأفلام الجنسية : صدقناهم ، ومتطرف فى آراءه الدينية : صدقناهم ، ومدمن لحبوب الهلوسة والمشروبات الكحولية: صدقناهم ، ومنصرف عن كافة القضايا الوطنية : صدقناهم ، ومهتم بمشاهدة الأفلام الكوميدية : صدقناهم ، ويتواجد بالأماكن المزدحمة لممارسة التحرشات الجنسية : صدقناهم ، ويجلس أمام النت للشات على الفيسبوكية : صدقناهم ، وصدقناهم ، حتى أصبحت قناعتنا فيكم أيها الشباب أنكم لا تصلحون للقيام بعبء الوطن ، وبتنا نخاف منكم على مستقبل الوطن ..
أما اعتذارى الأول ؛ فهو عما أوردته فى ثنايا مقالى ( أرميتاج .. ووهم التغيير) عندما ظننت أنه لن يكون هناك تغيير قادم لأن أمريكا حامية حمى دول الاعتدال العربى ، لن تسمح ولن ترضى بأى تغيير يتم فيها من غير رضاها أو يمر تحت أعينها دون علمها ومباركتها ، وأن الطغمة الحاكمة المسنودة على مثل هذه الضمانة الأمريكية تعززها أبواقها الإعلامية ، ومؤسساتها الأمنية ، ويحمى ظهرها الجيش بآلته وعتاده ، ورئيس وملك متشبث بالسلطة معروف بصلفه وعناده ،ولن يترك الكرسى إلا لأولاده وأحفاده ، حتى جاءت ثورة الياسمين التونسية تتبعها ثورة اللوتس المصرية ، لنجد أنفسنا أمام واقع جديد .
فهذا الشباب المتهتك كما صوروه لنا ، يبعثر لنا أوهامنا ، بل بعثر خطط ودراسات كافة أجهزة الاستخبارات العالمية ، وجميع خطط ودراسات المراكز البحثية المتخصصة ، وكذلك كل معاهد ومراكز استطلاع الرأى فى جميع أنحاء الدنيا ، وانتزع هذا الشباب بصدره العارى أساطين الحكم المتجذر المتوغل الرابض على الزمن الماضى والصاعد رغم أنوفنا ليقتنص الزمن القادم .. فلكم اعتذارى .
أما الاعتذار الثانى ، فهو ليس بعيداً عن الصور الكرتونية المرسومة لكم فى أذهاننا بأنكم لا تصلحون لشىء ، حتى لما كنتم تقومون بتظاهرات ضد أمريكا أو النظام أو .. أو .. كنا ننظر إليكم بأعين تعلوها ضبابية يائسة من تصرفاتكم التى لن تجدى ، ونتهكم بأنها
هوجة وهتروح لحالها) ، فمهما كانت قرونكم فالحجر أشد وأصلب ، وستذهب نطحاتكم أدراج الرياح ، حتى أننى كتبت فيكم أخاطبكم :
أوعى تثور مانتاش منصور
بات مكسور يابو قلب جسور
ده أنت ياواد م العالم التــالت
وكله بحاله سجين مأســور
عيش ف الديسكو واضرب جل
شد البانجو وايأس مـــــــل
أوعى تفكر حد هيســـــــأل
ده أنت وبلدك شعب ممـــــل
عيشها جبـان وتموت حيـوان
تقول إنسان وحقوق إنسان
إنسى يا شاطر كل حقــــوقك
همه وبس بنى الإنســـــان
كله إتبــاع يا وطن أتبـــاع
عيشوا رعاع وتموتو رعــاع
ثاير إيــــــه شحات معونات
إهتف نـــــدد قول يابتـــــاع
ولكنكم لم تسكتوا ، ولم تصدقوا توصيفاتنا ، وصبرتم على مضض ، حتى ثورتوا ولم تثأروا منا بل جعلتمونا نثأر من أنفسنا ، نضحك على بلاهتنا ، نتوارى خجلاً منكم أساتذتنا وكبارنا .. فدعونى بل دعونا جميعاً نعتذر عن سخريتنا منكم ، فقد كنتم أنتم بحق الرجال والشجعان ... ونحن البتاتيع ، المخاديع ، الندابات ، النعامات ، كنا أسبق منكم بأجيال ، فإذا بكم تسبقوننا بأجيال ، ومنكم تعلمنا ، وبكم تحررنا ، ونحن الذين ضيعنا الوطن ، فى الوقت الذى كنتم فيه تنقذوننا وتنقذون أجيال قادمة ، وأنقذتم الوطن بقلبكم الأخضر ، وصدركم العارى .. فلكم منى كل اعتذارى ..