يعود تاريخ الاستيطان البشري في فلسطين إلى أكثر من مليون ونصف المليون سنة من الآن، وقد تم التعرف خلال التنقيبات الأثرية التي جرت في فلسطين منذ نهايات القرن التاسع عشر على مخلفات إنسانية تعود بتاريخها إلى أقدم العصور الحجرية. في وادي النطوف القريب من قرية شقبا غربي رام الله مثلاً، عثر المنقبون على مخلفات يعود بعضها للمرحلة الثانية من العصر الحجري القديم 70.000-35.000 ق.م، وأحدثها يعود إلى العصر الحجري الأوسط 14.000-8.000 ق.م، أو الحضارة النطوفية نسبة إلى هذا الوادي. اكتشفت هذه الحضارة لأول مرة عام 1928م على يد المنقبة دوروثي غارود في الكهف والمعروف ب"مغارة شقبا"، وهي تعتبر الخطوة الأولى للإنسان على طريق بناء أول مجتمعات زراعية في التاريخ. استمر العصر الحجري الوسيط نحو ستة آلاف عام، وسكن فيه الناس في الكهوف والمغاور، إلا إنهم تمكنوا خلاله من زيادة عدد أدواتهم الحجرية وتصغير حجمها وتحسين صنعها بحيث أصبحت أكثر فعالية بالنسبة لأغراضهم.
زاول إنسان هذا العصر مهن الالتقاط والجمع وصيد الحيوانات البرية وأيضاً الأسماك في الوديان كوادي النطوف ووادي خريطون جنوب شرق بيت لحم والتي كانت مياههما غزيرة فيما مضى، رغم أنها جدباء اليوم. حصلت الثورة الأساسية في العصر الحجري بين عامي 10.000و 8000 قبل الميلاد، وهذه الفترة تشكل مرحلة انتقالية بين العصر الحجري القديم والعصر الحجري الحديث، أو بعبارة أخرى بين نمط التنقل والتجول من أجل الصيد والتقاط القوات إلى نوع من حياة الاستقرار حيث أصبح الإنسان منتجاً لقوته بنفسه وجد في أحد كهوف الكرمل العائدة لهذا العصر جمجمة كلب كبير يستدل منها أن الإنسان ابتدأ في نهاية العصر الحجري الوسيط في تدجين الحيوانات. والآثار التي عثر عليها في أريحا والعائدة لأواخر هذا العصر تدل على تدجين البقر والماعز والغنم والخنازير. باهتداء الناس إلى تدجين الحيوانات اضطروا للانتقال إلى نمط حياة جديد، وهو حياة البداوة والتنقل بقطعان ماشيتهم من مرعى إلى آخر، وهكذا أصبحوا رعاة بعد أن كانوا صيادين وجامعين لقوتهم.
عند بداية العصر الحجري الحديث (حوالي 8000 ق.م) دخل سكان فلسطين في مرحلة جديدة طوروا فيها مهاراتهم في الزراعة، وأصبحوا يتمتعون بنوع أعلى من الاستقرار، حتى أنهم بدءوا يطورون بعض المعتقدات الدينية والمفاهيم الفنية. يبدوا أن الناس في هذه الفترة كانوا يقدسون أسلافهم، حيث عثر على مجموعة من الجماجم المفصولة عن هياكلها العظمية في أريحا تعود إلى هذا العصر، كما أنهم عبدوا القمر لأنه أكثر نفعاً وتلطفاً من الشمس في بلاد حارة وجافة مثل فلسطين. عثر المنقبون في كهوف الكرمل على رسم لثور حفر بأدوات عظمية على قطعة من الحجر الطباشيري منحوتة على صورة رأس إنسان. تتمثل حضارة سكان فلسطين في هذا العصر بالأدوات الحجرية المصقولة وبالصحون الحجرية والهواوين والمداق والمناجل الصوانية المثبتة على قبضة خشبية، والتي يظن أنها كانت تستعمل لحصاد القمح. عثر المنقبون على الكثير من هذه الأدوات في مغارة شقبا وفي أريحا ومناطق أخرى. معظم الأدوات الصوانية في أريحا مصنوعة من مادة السبج (الأوبسديان) وهي مستوردة من بلاد الأناضول. ويستدل من هذه الأدوات على أن سكان فلسطين هم أول من مارس الزراعة في العالم. عهد الناس في هذا العصر بالمهنة الجديدة إلى نسائهم وأولادهم، أما الرجال فقد ظلوا منصرفين إلى أعمال الصيد والرعي والغزو. زرع السكان القمح والشعير والدخن، وهو نوع من الذرة، ثم زرعوا العنب والتين والزيتون وأنواعاً من الخضراوات.
عثرت عالمة الآثار البريطانية المشهورة "كاثلين كنيون" التي نقبت في تل السلطان في أريحا بين عامي 1952-1958 على مدينة متكاملة تعود لهذا العصر، واكتشفت أبنية عمومية من الحجارة يبلغ ارتفاع بعضها عشرة أمتار، وسوراً خارجياً به برج مستدير قطره 13 متراً يصعد إليه بإحدى وعشرين درجة. يعتبر سور أريحا وبرجها أقدم بناء حجري عثر عليه حتى الآن في العالم، ويعود تاريخ بنائهما إلى سنة 7000 ق. م. وبذلك استحقت أريحا عن حق لقب أقدم مدينة في العالم والبلد الذي شهد ظهور أول نواة لحكومة مركزية في التاريخ.
ليس واضحاً حتى الآن إن كانت هذه الفترة قد انتهت في مدينة أريحا بسبب عوامل طبيعية كالزلازل أو على يد فاتحين جدد، لكن كينيون تذكر بأن هجرة سكانية ربما تكون قد حصلت لموقع أريحا بين هذا العصر والعصر اللاحق، أما من الناحية الاقتصادية فيبدو أن الإنسان في هذه الفترة كان لا يزال يعتمد في حياته على الصيد إلى جانب النباتات التي دجنها وزرعها مثل الشعير والقمح والبازلاء والعدس والنباتات العلفية.
يقسم المؤرخون العصر الحجري الحديث إلى قسمين: قبل الفخاري(8000-6000ق.م)، والفخاري(6000-4500ق.م) كما تشير التسمية، يتميز الجزء المتأخر من هذا العصر، أكثر من أي شي آخر، باكتشاف الفخار، كان لهذا الاكتشاف أثر عظيم، ليس على إنسان العصور الحجرية فقط، بل وأيضاً على كل العصور التي تلته. لقد حرر الفخار إنسان العصور القديمة من عبوديتة للصخر الصعب التشكيل الذي حد من قدرته على الإبداع وتنويع أدوات عمله واليوم يعتبر الفخار أفضل وسيلة لدى الأثريين المعاصرين لدراسة حضارات العالم القديم.