زهــد القــــادر
مواقف عظيمة لرسولنا الكريم صلى الله عليه وسلم تزخر بها سيرته الكريمة العطرة مليئة بالنظر والاعتبار ، وأعمال الفكر ، لكنها مع هذا تبعث علي التساؤل بدهشة والإعجاب المصحوب بالاستغراب والحيرة الممزوجة بالفخر وأعرضها هنا مسترسلة منسابة ، متتابعة متناغمة .ثم نقف مع بعضها وقفات يسيرة ما شاء الله لنا الوقوف .
- رجل لو أمــــر كل صبح بذبح عجل حنيذ لما أستعصي عليــــه .
- ولو أمــــر ببناء دار منيـــف ، لبني له أصحــــــابه قصــــــــراً.
- ولو هفت نفسه لثوب لامتلأت خزائنه بأجود الأثواب من نسيج وألوان .
- ماله صلى الله عليه وسلم يسأل أهل داره : أعندكم طعام ؟ فيجيبونه بالرفض . فينوي الصيـــــام !!
- ماله يستطعم الهشيم والعيش والزيت . وإن وجده !!
حتى فاطمة الزهراء قرة عينه تطلب منه خادماً ممن أسرهم في إحدي الغزوات ليساعدها في أعبائها المنزلية بعدما كادت تسقط إعياءً تحت وطأة العمل الدائب في خدمة زوجها وبيتها وأولادها ، أي لم تطلبه للترف والرفاهية أو " المنظرة " فيرفض طلبها في حنان وقد طوقها بذراعيه وعلي وجهه ابتسامة ويقول لها أفضل من الخادم أن تسبحي الله وتحمديه وتكبريه أي بديلاً عن الخادم دعاء .
- ماله لا يزيد في النفقات لتعيش زوجاته في بحبوحة العيش والرغادة حتى يضطرهن لأن يطالبوه بتلك الزيادة فيحجم وينزل الله فيهن قرآناً فيهجرهن شهراً حتى يهتف العقاد قائلاً مستغرباً وفي إستغرابه ما يؤكد ما أسوقه من دلائل الإعجاز المحمدي : ( نساء محمد يشكين قلة النفقة والزينة ولو شاء لأغدق عليهن النعمة وأغرقهن في الحرير والذهب وأطايب الملذات )
وفي موضع آخر من كتابه : ( عبقرية محمد ) يتساءل
أما كان يسيراً عليه أن يفرض لنفسه ولأهله من الأنفال والغنائم ما يرضيهن ولا يغضب المسلمين وهم موقنون إن إرادة الرسول من إرادة الله) .
- لماذا ينام الرسول صلى الله عليه وسلم علي حاشية من القش ؟ وقد دخل عليه ابن مسعود ذات مرة رضى الله عنه فرآه علي تلك الحال فقال له :- يا رسول الله ألا آذنتنا حتى نبسط لك علي الحصير شيئــــــا .
فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ’’ مالي وللدنيا ؟ إنما مثلي ومثل الدنيا كراكب ظل تحت شجرة ثم راح وتركها ’’ .
قال عمر رضي الله عنه : دخلت على رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو مضطجع على حصير ، فجلست ، فأدنى عليه إزاره ، وليس عليه غيره ، وإذا الحصير قد أثّـر في جنبه ، فنظرت ببصرى في خزانة رسول الله صلى الله عليه وسلم فإذا أنا بقبضة من شعير نحو الصاع ، ومثلها قرظا ـ ورق شجر السّلم ـ في ناحية الغرفة ، وإذا أَفيقٌ مُعلّق ـ الأَفيق : الجلد الذي لم يُدبغ ـ قال : فأبتدرت عيناي ـ بكت عيناى ـ فقال صلى الله عليه وسلم :’’ ما يبكيك يا ابن الخطاب ؟’’ قلت : يا نبي الله ومالي لا أبكى ، وهذا الحصير قد أثّـر في جنبك، وهذه خزانتك لا أرى فيها إلا ما أرى ، وذاك قيصر وكسرى في الثمار والأنهار ، وأنت رسول الله صلى الله عليه وسلم وصفوته وهذه خزانتك ؟ فقال : ’’ يا ابن الخطاب ألا ترضى أن تكون لنا الآخرة ، ولهم الدنيا ؟’’ . (متفق عليه)
ولكي تكتمل أمام أعيننا أسرار هذا الإعجاز المحمدي الباهر ، علينا أن نترك صـــــدورنا لتتنفس نسائمه العاطرات الحانيات الرحيمة الأبية فيستقبلها الفؤاد الذي سما وجيبه بذكر خصاله وصفاته الطاهرة صلى الله عليه وسلم لتحملنا هذه النسمات وتحلق بنا داخل بيته صلى الله عليه وسلم لكى تتكشف لكل ذي عينين وعقل وفؤاد المعجزة وئيداً .. وئيداً حتى سرعان ما يثبت لنا معني ما نقصده يقيناً من كونه إعجازاً محمدياً .
- إذا لم يجد صلى الله عليه وسلم الطعام صبر وربط علي بطنه حجراً وقد فعل هذا في غزوة الأحزاب عند حفر الخندق .
- ما شبع صلى الله عليه وسلم من خبز القمح ثلاثة أيام متتالية حتى فارق الدنيا . وأكثر من الثلاثة أيام ؟ نعم
- يمر عليه الشهر فلا يجد ما يخبزة وأكثر من الشهر ؟... و أكثر من الشهر ، نعم ..
- يمر عليه الشهران فلا يوقد في بيته نار ـ أي لا يطبخ أهل داره ـ .
- كان صلى الله عليه وسلم يجلس علي الأرض ويضع طعامه علي الأرض ، لأنه كان يحب أن يجلس كما يجلس العبد ، ويأكل أيضا كما يأكل العبد.
- يشرب أخر أصحابه ، وقدحه من خشب غليظ .
- أما عن ملبسه فلم يكن له قط قميصان معاً ، ولا رداءان معاً ، ولا إزاران ولا نعلان وكان يلبس الصوف ، ويرتق ثوبه ، ويرقع قميصه ، ويخصف نعله ، ويركب الحمارة ويحلب شاته ولم يستمتع يدنياه وكـــان طعامه الشعير ومات ودرعه مرهونة عند يهودى ولا ميراث لأهله مما ترك عقار وهو قليل .
- كان صلى الله عليه وسلم أضحك الناس وأطيبهم خلقاً ونفساً صافي القلب وكان يتفكه ويمزح ويدين نفسه بما يدين به أصغر أتباعه .
- يكره ضرب النساء ويعيبه ، لم يطلق زوجه من زوجاته دخل بها وعاشرها .
- لم يضرب أو ينهر خادماً ، رحيماً بعبيده فكان يجاملهم ويجبر كسرهم ويقبل منهم الهدية ويكافئ عليها ، ويلبي دعوتهم إلي الطعام ويكره أن تقبل يداه مخافة أن تجري العادة بهذا بين الناس فيكون فيها الخضوع والمذلة الهوان وكما يقول العقاد في كتابه : (عبقرية محمد) : ( أن حصة النبي من خدمة نفسه كانت أعظم من حصة خدمه ) .
- لإيثأر من أحد لأنه أساء إليه في شخصه ، وثورته فيما يغضب الله .
- كان صلى الله عليه وسلم أكثر رجل مشاورة للرجــــــــــال .
يقول العقاد في كتابه السابق : ( أرأيت إلي فاطمة تدخل البيت أشبه الناس مشية بمشية محمد أرأيت إلي هذا الحب الجارف ) ، كما يؤكد هذا خالد محمد خالد في كتابه : ( أبناء الرسول في كربلاء ) : (كانت أحب أهلها إلي أبيهــا وأقربهم من قلبه الودود وكان صلى الله عليه وسلم يشم فيما عبير ذكريات عزيزة وغالية ذكريات السنوات الجليلة التي قضاها في صحبة أمها خديجة كما كان يتهلل غبطة ًورضاً وهو يري فيها أم ذريته المبــــاركة وسبطه العظيم ) .
رغم تلك الحميمة الخالصة في العلاقات بينه صلى الله عليه وسلم وبين أبنته الأثيرة لديه وبنت خديجة أحب الزوجات إلي قلبه – كما أسلفنا – فاطمة التي ولدت في أحضان نعيم جزل كانت تزخر به دار أمها ( خـــــديجة ) ذات المجد الوارف والثراء المفيض تتزوج وقد رضيت بأن يكون كل جهازها أعواد من جــــريد صنـــــع منها سرير واطئ ووسادة حشوها ليف وسقاءين للماء، ورحاءين للطحن، وقارورتي طيب ، ومنخلاً ، ومنشفـــة ً، وقدحاً ، وكان غطائهما قطيفة إذا غطت رأسيهما تكشفت أقدامهما، وإذا غطيَّا أقدامهما تكشفّت رأسيهما ، وفراشهما جلد كبش ينامان عليه بالليل ويجعلانه نهارً لعلف البعير عليه ، ولم يكن لهما خادم .
رغم تلك العلاقة الحميمة بينها رضى الله عنها وأرضاها وبين أبيها ومعرفتها بمكانتها لديه وحبه العميق لزوجها تلك العلاقة التي جعلت زوجها ينصحها أن تأتى أباها فتطلب منه خادماً من الأسرى ، فذهبت مرة فأستحيت أن تسأله ، فذهب معها علياً وقدم طلبه بعرض حاله وحال زوجته عليه صلى الله عليه وسلم ليشفق عليهما ويرق لحالهما فقال على : يارسول الله ،والله لقد سنوت حتى اشتكيت صدرى وقالت فاطمة : لقد طحنت حتى مجلت يداى ، وقد جاءك الله –عز وجل- بسبى وسعةٍ فأخدمنا ، فقال : ’’ لا أعطيكما وأدع أهل الصفة – جماعة من الفقراء – تطوي بطونهم لاأجد ماأنفق عليهم ، ولكنى أبيعهم ، وأنفق عليهم أثمانهم ’’ . ( رواه أحمد) وقال لهما صلى الله عليه وسلم حين عادا إلى منزلهما ودخلا فى فراشهما : ’’ ألا أدلكما على خير ٍمما سألتمانى ؟ إذا أخذتما مضاجعكما أو أويتما إلى فراشكما فسبّحا ثلاثاً وثلاثين ، واحمدا ثلاثاً وثلاثين ، وكبرا ثلاثاً وثلاثين ، فهو خيرلكما من خادم ’’.( متفق عليه )
وكأن فاطمة ثرية وما تريده شكل اجتماعي تستكمل به وجاهتها ، ويرفض مؤثراً عليها فقراء المسلمين ، ويرى أن الأفضل والبديل لهما هو التسبيح والتحميد والتكبير عند نومهما والذى صار سنة متبعة عند عموم المسلمين ويتمسك بها سيدنا على حتى وفاته .
ويا ليته صلى الله عليه وسلم رفض إهدائها الخادم ولم يأخذ منها .... وأتـــرك الموقفين التاليين برهاناً للإعجاز :
- أتي النبي صلى الله عليه وسلم بيت فاطمة ، فعدل عن دخوله لأنه رأي علي بابها ستراً موشياً وأخبر علياً بأن ترسل – أي فاطمة – بالستر إلي فلان أهل بيت بهم حاجة . وأتساءل من منا يأخذ من ابنته ويهدي غيرها ؟!
- وفي مرة أخري أراد زيارتها ثم عاد كذلك دون أن يدخل عليها ، فأرسلت تسأله عن سر عدوله عن دخول بيتها رضى الله عنها ، فأجابها : ’’أني وجدت في يديها سوارين من فضة ’’ . فبلغها ذلك فأرسلتهما إليه ، فباعهما النبي صلى الله عليه وسلم بدرهمين ونصف وتصدق بهما على الفقراء" . ( رواه أبو داود)
- وفي ذلك يقول مصطفي صادق الرافعي معلقا ً علي هذه الحادثة فى كتابه : ( من وحى القلم ) : ( يا بنت النبي العظيم ! وأنت لا يرضي لك أبوك حلية بدرهمين ونصف وأن في المسلمين فقراء لا يملكون مثلها ؟! أن زينة بدرهمين ونصف لاتكون زينة فى رأى الحق إذا أمكن أن تكون صدقة بدرهمين ونصف ! أن فيها حينئذ معنى غير معناها ! فيها حق النفس غالب على حق الجماعة ، وفيها الإيمان بالمنفعة حاكماً على الإيمان بالخير ، وفيها ماليس بضرورى قد جار على ماهو الضرورى ، وفيها خطأ من الكمال ، إن صح فى حساب الحلال والحرام ، لم يصح فى حساب الثواب والرحمة ) .
إنها فاطمة إبنته الحبيبة التى بشرها صلى الله عليه وسلم وهو فى مرض الموت بأنها ستكون أول أهل بيته الكريم لحوقاً به فتضحك ، بعدما كانت قبلها تبكى عندما أعلمها صلى الله عليه وسلم بحضور أجله حتى تعجبت السيدة عائشة وقالت : مارأيتُ كاليوم فرحاً أقرب من حزن !!، هل يستطيع أب أن يزف هذه البشارة لإبنته الشابة البالغة من العمر ثمان وعشرين سنة ولها من الذرية الحسن والحسين وزينب وأم كلثوم وهم صغار من سيرعاهم بعدها ؟! يبشرها والدها وتفرح ولم تجفل ولم تجزع ولم تراجعه وتستعطفه بأن يدعو لها بطول العمر حتى تربى أفراخها الزغب ، وتسعد أياماً بالعيش مع صنو روحها زوجها الحبيب على رضى الله عنهم جميعاً آل بيت النبى ؛ ألاَّ يذكرنا هذا الموقف بأبى الأنبياء إبراهيم وابنه الذبيح سيدنا إسماعيل نفس الرضا والتسليم مع الفارق فى سير الآحداث . فاطمة الزهراء سيدتنُا ، سيدة هذه الأمة أوسيدة نساء المؤمنين ، ابنة رسول الله وحبيبته التى أقسم رسول الله صلى الله عليه وسلم حين أتاه حبه وحبيبه وابن حبيبه أسامة بن زيد مستشفعاً للمرأة المخزومية السارقة حتى لايقيم عليها حد السرقة ، فغضب من أسامة ثم جمع الناس صلى الله عليه وسلم فخطب فيهم فقال : ’’ ياأيها الناس إنما أهلك من كان قبلكم انهم إذا سرق فيهم الشريف تركوه ، وإذا سرق فيهم الضعيف أقاموا عليه الحد ، وأيم الله لو أن فاطمة بنت محمد سرقت لقطع محمدٍ يدها ’’ ، والشاهد من العظمة ما لا يلحظه أحدنا على إعتبار أنها- أى فاطمة – لن تسرق ، ولكن يجب أن تعلم أن الخطاب كان على الملأ ، ويجب أن تثق أن لو أن ابنته فعلتها لأبر النبى بقسمه صلى الله عليه وسلم .
ولو أن فيما سبق وقدمناه بإيجاز مع ذكر بعض الأحاديث لكل موقف يؤيده – لينبئ عن نفسه ولا يدع أي مساحة لأديب أو بليغ مهما أوتي من براعة في الأسلوب ومهارة في القول أن يجلي الصــــــــورة المعجزية لرسولنا الكريم فهى وحدها كفيلة دون غيرها لأن تثبت للكافة أنه صلى الله عليه وسلم كان معجزة ، وأنه هنــــــا تصرف في أمور حياته بوازع من نفسه لم يؤته فيما سبق قرآن يأمره ألا يوسع علي نفسه ، وأهــــل بيته ، ولئن إستطعنا أن نفعل ذلك مع أنفسنا وزوجاتنا فبالله من منا يستطيع أن يرفض لأبنته الأثيــرة مطلب بل يأمرها أن تهدي أشيائها من حاجة بيتها أو متعلقاتها الشخصية لغيرها .
يقول الرافعى : ( أى رجل شعبى على الأرض كمحمد ٍصلى الله عليه وسلم فيه للأمة كلها غريزة الأب وفيه على كل أحواله اليقين الذى لايتحول ، وفيه الطبيعة التامة التى يكون بها الحقيقى هو الحقيقى ) .
- من يرضي من الرؤساء أو الزعماء وقادة الأرض ناهيك عن أصغر موظف أو عامل في أي مكان ٍ ما علي وجه كوكبنا أن يصوم إن لم يجد في بيته طعام ؟!!
- من يرضي بهذا الأثاث والعيش والزيت وقدح الماء من الخشب الغليظ ؟!!
- من منا عنده خادم ويتعب نفسه بخدمة نفسه التي تفوق حصـــة خادمه ؟!!
- من منا لا يكــــــون في بيته طعاماً مطهـواً بالثـــــــــــــلاثة أشهــــــر ؟!!
من.. ومن .. وألف من ؟؟؟ .. تشهد هذه المواقف كلها بما أثارته في نفوسنا من دهشة واستغراب عن ذلك الزاهد القادر الذي يملك ويزهد لا عن فقر المعوز المحتاج .. الذى يتمنى فلا يجد ، إنها بحق معجزة محمدية دون تزيد منا بسوق براهين وأدلة ، فأن كل ما تقدم لا يدعو لمزيد توضيح و اثبات الخـــير المحمــــدى
كان رسول الله صلى الله عليه وسلم خيراً لأمته في حياته ومماته مثل ما كان في حياته لا تنقطــــع عطاءاته ، ولا تفتـــــرفيوضا ته وهداياه يأمرها بالمعروف وينهاها عن المنكر ويطلب لها الخير ويهديها إليه . ولننظر إلي هذا الحديث الذي رواه أحمد والترمذي والحاكم وهو حديث حسن صحيح ، عن أبي بن كعب رضى الله عنه قال: قلت: يا رسول الله إني أكثر الصلاة عليك فكم اجعل لك من صلاتي ؟ قال:’’ما شئت ’’، قال قلت : الربع قال :’’ ما شئت، وإن زدت فهو خير لك ’’ ، قال: قلت : فالثلث ، قال:’’ ما شئت ، فإن زدت فهو خيــر لك’’ ، قال قلت : النصف ، قال: ’’ ما شئت، وإن زدت فهو خير لك’’ ، قال : الثلثين ، قال : ’’ماشئت، وان زدت فهو خير’’ ، قال: فأجعل لك صلاتي كلها ؟ قال :’’ إذا تكفي همك ويغفر ذنبك ’’ .
نعم صلاتنا علي رسولنا خير لنا أوصانا به نبينا لصالحنا ليكفينا همنا في رحلة الحياة وغفران لذنوبنا لنستقبل رحلة الموت أطهاراً أبراراً فخيره لنا ملازمنا في حياتنا ومماتنا مثل ما كان رسولنا خيراً لنــا في حياته ومماته وصلاته خيراً لنا ، كما روي أبو داود والترمذي وغيرهما عن أبي هريرة رضى الله عنه أنه قال رسول الله صلى الله علبه وسلم : ’’ ماجلس قوم مجلسا لم يذكروا الله ، ولم يصلوا على نبيهم صلى الله عليه وسلم ، إلا كان مجلسهم عليه ترة يوم القيامة ، إن شاء الله عفا عنهم ، وإن شاء أخذهم ’’ . ( صحيح الجامع 5607)
والذين لا يصدقون أن مماته صلى الله عليه وسلم أيضا خير لنا كما كان لنا في حياته فليقرأوا هذا الحديث بأناة وتريث وتأمل وسيعرفون أن إتباعه صلى الله عليه وسلم خيـــر، والأيمان بنبوته ورسالته خيرٌ لنا قبله وإنه وهــــو في وفاته مازال بتابعنا ، ويخاف علينا ويتمني لنا الخير وهاكم الحديث الذي رواه ابن سعد عن بكر بن عبد الله رضى الله عنه :- قال النبي صلى الله عليه وسلم:’’حيـــاتي خير لكم، تحدثون ويحدث لكـــم ، فإذا مت كانت وفاتي خيــــراً لكم ، تعرض علي أعمالكم فإن رأيت خيراً حمدت الله، وإن رأيت شراً استغفرت لكم ’’ . (رواه البزار ورجاله رجال الصحيح و ذكره الهيثمى فى مجمع الزوائد وصححه القسطلانى شارح البخارى والمناوى فى فيض القدير ، والشهاب الخفاجى فى شرح الشفا والسيوطى فى الخصائص ، وضعفه وأنكره الحوينى فى التوحيد العدد 397 )
أرأيت عزيزي القارئ كيف يحمل همنا حتى في مماته ، الذين ينشدون الأغاني وتجري علي ألسنتهم كجري الماء ، والذين يدمنون السباب ويهوون الغيبة ويحتــــرفون النميمة ، حبيبنا ومولانا وســـــيدنا رسول الله يطالبنا بأن نرطب ألسنتنا بالصلاة عليه لا لأنها خيرله ولكن لخيرنا نحن .
ولن أجد خيرمن هذا الحديث الذى أسوقه فى معرض الحديث عن الخير المحمدى ورحمته بأمته وحنوه عليها صلى الله عليه وسلم :
عن أبى موسى عن النبى صلى الله عليه وسلم قال : ’’ إن الله عز وجل إذا أراد رحمة أمة من عباده ، قبض نبيها قبلها ، فجعله لها فرطاً وسلفاً بين يديها ، وإذا أراد هلك أمة عذبها ونبيها حى ، فأهلكها وهو ينظر ، فأقر عينه بهلكتها حين كذبوه وعصوا أمره ’’ . ( رواه مسلم 2288 )
والآن هطلت أمطار الخير المحمدي الرقيقة الشفيقة الرحيمة علي أمته وها هي يسبقنها إلينا نورها وأريجها .
وسأتركها تتكلم وتهدي الخير إلينا اسمعوها وأرتووا منها وأصيبوا من نورهــــا ..:
1- قال صلى الله عليه وسلم : ’’ أن أولي الناس بي يوم القيامة أكثرهم علي صلاة ’’ .( أخرجه الترمذى وابن حبان بسند حسن بشواهده)
2 - قال صلى الله عليه وسلم : ’’ من صلي علي صلاة صلى الله عليه عشر صلوات ،وحط عنه عشر خطيئات، ورفع له عشر درجات ’’ . (صحيح : رجاله ثقات )
3- قال صلى الله عليه وسلم : ’’ من صلي علي النبى صلى الله عليه وسلم واحدة ، صلى الله عليه وملائكته سبعين صلاة ’’. (رواه أحمد باسناد حسن وهو موقوف)
4- قال صلى الله عليه وسلم :’’ ان لله ملائكة سياحين يبلغونى عن أمتى السلام’’. ( رواه النسائى وابن حبان وصححه الألبانىفى صحيح الترغيب)
5- قال صلى الله عليه وسلم :’’ من صلي علي صلاة لم تزل الملائكة تصلى عليه ماصلى على ، فليقل عبد من ذلك أو ليكثر ’’ . ( حسن بشواهده : رواه أحمد وابن ماجه كما فى صحيح ابن ماجه للألبانى )
6- قال صلى الله عليه وسلم : ’’ من قال حين يسمع المؤذن : وأنا أشهد أن لاإله إلا الله وحده لاشريك له ، وأن محمدا عبده ورسوله ، رضيت بالله ربا وبمحمد رسولا وبا لإسلام دينا ، غفر له ’’ . ( رواه مسلم وأبوداود والترمذى وغيرهم )
7- قال صلى الله عليه وسلم : ’’ من قال حين يسمع النداء اللهــــم رب هذه الدعــــوة التامة والصلاة القائمة آت محمداً الوسيلة والفضيلة وبعثه مقاما محمودا الذي وعدته حلت له شفاعتي يوم القيامة ’’ . ( رواه البخارىوأبو داود وغيرهما )
ويقترن الخير المحمدي بخير الأيام يوم الجمعة فانه كما يقول الحافظ بن كثير
وقد روي البيهقي من حديث أمامة عن النبي صلى الله عليه وسلم بالإكثار من الصلاة عليه يوم الجمعة ويوم الجمعة فان قلــــت ما الحكمة من خصوصيته الإكثار من الصلاة عليه الصلاة والسلام يوم الجمعة وليلتها ؟
أجاب ابن القيم بأن : ( رسول الله صلى الله وعليه وسلم سيد الأنام ، ويوم الجمعة سيد الأيام فالصلاة عليه فيه مزية ليســـت لغيره مع حكمة أخري وهي أن كل خير نالته أمته في الدنيا والآخري إنما نالته علي يده صلى الله عليه وسلم فجمع الله لأمته بين خيري الدنيا والآخرة وأعظم كرامة تحصل لهم فإنها تحصـــــــل لهم فإن فيه بعثهم إلي منازلهــــــم وقصورهم في الجنة ، وهو يوم المزيد لهم إذا دخلوا الجنة ، وهو يوم عيدهم في الدنيا ، ويوم فيه يسعفهم الله تعالي بطلباتهم وحوائجهم ولا يرد سائلهم وهذا كله إنما عرفوه وحصـــل لهم بسببه وعلي يده فمــــن شكره وحمده وأداء القليل من حقه صلى الله عليه وسلم أن يكثر من الصلاة عليه في هذا اليوم وليلته) .
ونضيف إلى الأسباب التى أحصاها ابن القيم السبب الذى ذكره الرسول صلى الله عليه وسلم ،أن صلاة أمته معروضة عليه فى هذا اليوم أيضا .... ولنفتح صدورنا وقلوبنا لخير الأنام الذى يرسل خيره لنا فى خير الأيــــــــام ولننصت ولنستمع :
1- قال صلى الله عليه وسلم : ’’ أكثرواالصلاة علي يوم الجمعة وليلة الجمعة، فمن صلى علىََّ صلاة صلى الله عليه عشراً ’’.( حسنه الألبانى فى صحيح الجامع 1209)
2- قال صلى الله عليه وسلم : ’’ أكثروا من الصلاة عليََّ فى الليلة الزهراء ، واليوم الأزهر ، فإنهما بؤديان عنكم ، وإن الأرض لاتأكل أجساد الأنبياء ؛ ومامن مسلم يصلى علىَّ إلا حملها ملك حتى يؤديها إلىََّ ويسميه حتى إنه ليقول : إن فلانا يقول كذا وكذا ’’. ( ذكره الهندى فى كنز العمال وعزاه للبيهقى فى شعب الإيمان عن أبى هريرة )
3- قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :’’ إن من أفضل أيامكم يوم الجمعة : فيه خلق آدم ، وفيه قبض ، وفيه النفخة ، وفيه الصعقة ، فأكثروا علىََّ من الصلاة فيه ، فإن صلاتكم معروضة علىََّ ، قالوا : يارسول الله ؛ وكيف تعرض صلاتنا عليك وقد أرمت ؟ يقولون: بليت ؟ فقال :" إن الله عز وجل حرم على الأرض أجساد الأنبياء’’. (صحيح سنن أبى داود)
أبعد كل ما قيل عن الخير المحمدي إلا يجب أن تسأل نفسك كيف أحرم ولما أحرم من هذا الخير ؟ أنه بطــر بالنعمة وبالخيـــــر وبالحب المحمدي . وقيـــــل انه لما نزلت إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِين آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا الآية:56 : سورة الأحزاب .
سأل الصحابة رسول الله : كيف الصلاة عليك يا رسول الله ؟ قال : ’’ اللهم صلي علي محمد وعلي آل محمد كما صليت علي إبراهيم وعلي آل إبراهيم إنك حميد مجيد ، وبارك علي محمد وعلي آل محمد كما باركــــــت علي إبراهيم وعلي آل إبراهيم إنك حميد مجيد ’’.
- وعن ابن حميد الساعدي : أنهم قالوا يا رسول الله كيف نصلي عليك قال : ’’ قولوا اللهم صلي علي محمد وأزواجه وذريته كما صليت علي إبراهيم وبارك علي محمد وأزواجه وذريته كما باركت علي إبراهيم إنــــك حميد مجيد ’’.( متفق عليه )
- وعن عبد الله بن مسعود : إذا صليتم علي رسول الله صلى الله عليه وسلم فأحسنوا الصلاة عليه فإنكم لا تدرون لعــــل ذلك يعرض عليه ، فقالوا : علمنا ، قال : ( قولوا اللهم أجعل صلواتك ورحمتك وبركاتك علي سيد المرسلين وإمام المتقين وخاتم النبيين محمد عبدك ورسولك إمام الخير وقائد الخير ، ورسول الرحمة. اللهم ابعثه مقاماً محمودا يغبطه فيه الأولون والآخـــرون ؛ اللهـــم صلي علي محمد وعلي آل محمد كما صليت علي إبراهيم وعلي آل إبراهيم إنك حميد مجيد ، اللهم بارك على محمد وعلى آل محمد كما باركت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنك حميد مجيد ).
- وهذه صيغة أثبتها صاحب كتاب
ترشيح المستفيدين ) علوى بن أحمد السقاف وكذلك من (مجلد الفتاوى ) للشيخ محمد متولى الشعراوى ، وأيضاً للأمام الشافعى ، وهي صيغةٌ جميلة في معناها ومبناها ومؤداها وجامعة للصيغ السابقة عليها وأخترتها لما فيها من الخير العميم :
اللهم صلي علي محمد عبدك ورسولك النبي ألأمي وعلي آل محمد وأزواجه أمهات المؤمنين وذريتـــه وآل بيته كما صليت علي إبراهيم وعلي آل إبراهيم في العالمين إنك حميد مجيد وكما يليــــق بعظيـــــم شرفه وكماله وكما تحب وترضي له دائما أبدا عدد معلوماتك ومداد كلماتك ورضا نفسك وزنـــــة عرشك
أفضل صلاة وأتمها وأكملها كلما ذكرك وذكره الذاكرون، وغفل عن ذكرك وذكره الغافلون، وسلم تسليمــا كذلك وعلينا معهم اللهم صلي علي محمد وأبلغه الوسيلة والدرجة الرفيعة من الجنة ، اللهم أجعل في المصطفين محبته، وفي المقربين مودته، وفي الأعليين ذكره ، اللهم بجاهه عندك ومكانته لديك ومحبتك له ومحبته لك ، والسر الذى بينك وبينه نسألك أن تصلى وتسلم عليه وعلى آله وصحبه وضاعف اللهم محبتى فيه وعرفنى بحقه ورتبته واجمعنى به ومتعنى برؤيته ، وقربنى من حضرته واسعدنى بمكالمته وارفع عنى العلائق والعوائق والوسائط ، والحجاب ، وشنف سمعى منه لذيذ الخطاب وهيئنى للتلقى منه ، وأهلنى للأخذ عنه ، واجعل صلاتى عليه نوراً فائضاً ماحياً عنى كل ظلمة وظلم وكل شك وشرك وإفك وغفلة، اللهم صل على سيدنا محمد بكل صلاة تحب أن يصلى بها عليه فى كل وقت صلاة وسلاماً دائمين عدد ماعلمت وزنة ومداد ماعلمت وأضعاف أضعاف ذلك .... اللهم لك الحمد ولك الشكر فى كل ذلك وعلى ذلك ، اللهم صلى على محمد عدد من صلى عليه، وصلى اللهم عليه عدد من لم يصلى عليه ، وصلى اللهم كما أمرت أن يصلى عليه ، وصلى اللهم عليه كما تحب أن يصلى عليه ، وصلى اللهم عليه كما ينبغى أن يصلى عليه ........ وصل اللهم على سيدنا محمد وسلم .... )
عليه الصلاة والسلام . أظهر الخليقة بشراً وأنساً ، وأطيبُهم َنفَساً ونفْســــــاً ، وأجملهم وصفاً ، وأظهرهم لطفاً ، لايطوى عن بشرٍ بشْرََهُ ، وحاشاه أن يشافهَ أحد بما يكره ، والبشرُ عنوان البشير ، صلى الله عليه ماهمى رُكام وماهَتن غمام ، كان ذا رأفةٍ عامّة وشفَقَة سابغةٍ تامّة ، أجمل الناس وداً ، وأحسنهم وفاءً وعهداً ، تواضَعَ للناس وهمُ الأتباع، وخفض جناحه لهم وهو المتبوع المطاع ، عليك الصلاة والسلام ، يا أفضل خلق الله ، وأكرم خلق الله ،واتم خلق الله وأعظم خلق الله عند الله .. رسول الله ونبى الله وحبيب الله وصفى الله ونجىُ الله وخليل الله .. أكرم مبعوث وأصدق قائل أنجح شافع وأفضل مشفع ، الأمين فيما استودع والصادق فيما بلغ ، عليك الصلاة وأزكى السلام .
- والمواطن التي تشرع فيها الصلاة علي رسول الله صلى الله عليه وسلم فلنفرد لها بإيجاز ونوردها هنا لمن لم يكن علم من قبل بها :
- التشهد الأخير واجبة منه ، والتشهد الأول سنــــــه .
ـ خطبة الجمعة ، وعقب إجابة المؤذن ، وأول الدعاء وأوسطه وآخره ، ومنها أثناء تكبيرات العيدان وعند دخول المسجد والخروج منه ، وفي صلاة الجنازة بعد التكبيرة الثانية ، وعند التلبية ، عنــــــد الصفا والمروة ، عند اجتماع القوم وتفرقهم ، عند الصباح والمســـاء ، عنـــد الوضوء ، عــند طنين الآذان ، عند نسيان الشئ ، بعد العطاس ، عند زيارة قبره الشريف ، صلى الله عليه وسلم .
- والخير المحمدي يتمثل في الصلاة عليه صلى الله عليه وسلم ، وفيما أمر به رسول الله صلى الله عليه وسلم: من حث أمته علي ذكر الله :’’ أفضل الذكر لا إله إلا الله ، وأفضل الدعاء الحمد لله ’’ ، كما حثهم علي تسبيح الله سبحــــانه وتعـالي لأنه قال : ’’ سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر . أحب إلي مما تطلع عليه الشمس’’ . وعلمنا صلى الله عليه وسلم فضل الإستغفار فقد قال الترمذى حدثنا سفيان بن وكيع حدثنا ابن نمير عن إسماعيل بن مهاجر عن عباد بن يوسف عن أبى بردة بن أبى موسى عن أبيه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ’’ أنزل الله علىَّ أمانين لأمتي : وما كان الله ليعذبهم وأنت فيهم وما كان الله معذبهم وهم يستغفرون فإذا مضيت تركت فيهم الإستغفار إلي يوم القيامة ’’. ( تفسير القرآن العظيم لإبن كثير الجزء الثانى )
وحثنا علي قراءة القرآن خير الله الدائم إلي أهل الأرض فقال صلى الله عليه وسلم : ’’ أبشروا، فإن هذا القرآن طرفه بيد الله وطرفه بأيديكم، فتمسكوا به فإنكم لن تهلكوا ولن تضلوا بعده أبداً ’’ . (رواه الطبراني عن جبير)
- ومن رضي بالله ربا ، وبالإسلام دينا ، وبسيدنا محمد عبداً ورسولاً فليتبعه ويحبه فمن علامــــــات محبته إتباعه قولاً وعملاً ، ظاهراً وباطناً ، والرضا بحكمه وإيثاره علي حكــــم غيره من البشــر وإن تعارض ، ولا يطيع أحداً في الله إلا رسوله الكريم صلى الله عليه وسلم وأيضا من علامات محبته تعظيمه عند سمــاع أسمه وذكره مع إظهار الخشوع والخضوع والإنكسار والإكثار من ذكره صلى الله عليه وسلم فذكره يشفي الصـــدور، ويجلي القلوب ويعطر الألسن ومن علامات محبته: نصرة دينه قولاً وفعلاً والتحلي بأخلاقــه ما أستطعت إلي ذلك سبيلا ، ومن علامات محبته: حب القرآن الذي أتي به واهتدي به وتخلق به ، ومحبة سنته وقراءة حديثه والعمل به ، وإتباع هديه الكريم .
- في هذه الصفحات من الخير لو حافظ عليه كل مسلم ومسلمة والتزم به وجعله نهج حياته وعاد إلي تاريخ رسولنا الكريم وقرأه، وجعل لنفسه حزباً من القرآن ، وورداً من أذكار المصطفي ، وحافــــظ علي صلاة النوافل ، وقيام الليل والضحى لأحس بأبواب السماء مفتحة ًعلي مصراعيها له ببركـــة حب الله ورسوله الكريم صلى الله عليه وسلم .
الرفيـــق الأعلى
ها قد وصلنا حتى مشارف بقيع الغرقد ورسول الله صلى الله عليه وسلم يقف أمام قبور من ماتوا يدعو لهم ويترحم عليهم ويستغفر لهم ويبشرهم بلحوقه بهم ، وسار بعد ذلك بصحبة غلامه أبو مويهبه الذي أســـر إليه صلى الله عليه وسلم قائــــــــلاً :
’’ إني قد أوتيت مفاتيح خزائن الدنيا والخلد فيها ، ثم الجنة ، فخيرت بين ذلك وبين لقاء ربي والجنة ’’ ، قلت: بأبى أنت وأمى ! فخذ مفاتيح خزائن الدنيا والخلد فيها ثم الجنة ، قال : ’’ لاوالله يا أبا مويهبة لقد إخترت لقاء ربى والجنة ’’ .
( لم يخرجه أحد من أصحاب الكتب وإنما رواه أحمد عن يعقوب بن إبراهيم ، عن أبيه عن محمد بن إسحاق ) وقال عبد الرزاق بن معمر ، عن ابن طاوس ، عن أبيه ، قال : قال رسول الله : ’’ نصرت بالرعب وأعطيت الخزائن بين أن أبقى حتى أرى مايفتح على أمتى وبين التعجيل ، فأخترت التعجيل ’’ ، قال البيهقى : وهذا مرسل وهو شاهد لحديث أبى مويهبة .
وفى اليوم الخامس قبل وفاته صلى الله عليه وسلم ، اتقدت الحرارة فى بدنه ، فاشتد به الوجع والغمى فقال :’’ هريقوا على سبع قرَب من آبار ٍشتى ، حتى أخرج إلى الناس، فأعهد إليهم ’’ ، وخرج من بيته فدخل المسجد متعطفاً ملحفة على منكبيه وقد عصب رأسه بعصابة وجلس آخر جلسة ًله على منبره ، فحمد الله وأثنى عليه وأوصى المسلمين بإلا يتخذوا قبره وثناً يعبد كما يصنع أهل الكتاب ، وعرض نفسه للقصاص على من شتم أو جلد من المسلمين ، وسدد ديناً عليه قيمته ثلاثة دراهم طلبها صاحبها ، ثم أوصى بالأنصار خيراً ، وأثنى على أبى بكر وأمر بسد جميع الأبواب المؤدية إلى المسجد إلا باب أبى بكر ، ثم قال : " إن عبداً خيره الله بين أن يؤتيه من زهرة الدنيا ماشاء ،وبين ماعنده ، فاختار ماعنده ". فبكى أبو بكر . ( صحيح البخارى )
ثم عاوده المرض وثقل عليه بحيث لم يستطع الخروج إلى المسجد صلى الله عليه وسلم والمسلمون ينتظرون خروجه ، فاغتسل ثم أغمى عليه فأفاق ثم وقع ثانياً وثالثاً ثم أغمى عليه، فأرسل إلى أبى بكرٍ أن يصلى بالناس فصلى أبو بكر 17 صلاة فى حياة الرسول وهى صلاة العشاء من يوم الخميس وصلاة الفجر من يوم الأثنين ، و15 صلاة فيما بينها (متفق عليه) .
ولعل البعض يتسائل ماالحكمة فى إجراء الأمراض وشدتها عليه وعلى غيره من الأنبياء عليهم جميعاً منا السلام ؟ يجيب القاضى عياض فى كتابه : (الشفا بتعريف حقوق المصطفى )
فامتحانه إياهم بضروب المحن زيادة ُ فى مكانتهم ، ورفعة ً فى درجاتهم ، وأسباب لإستخراج حالات الصبر والرضا ، والشكر والتسليم ، والتوكل والتفويض ، والدعاء والتعرض منهم ، وتأكيد لبصائرهم فى رحمة الممتحنين ، والشفقة على المبُتلين وتذكرةً لغيرهم ، وموعظة لسواهم ليتأسوا فى البلاء بهم ، فيتسلوا فى المحن بما جرى عليهم ؛ فيتسلوا فى المحن بما جرى عليهم ، ويقتدوا بهم فى الصبر ، ومحو لهنات فرطت منهم ، أو غفلات سلفت لهم ، ليلقوا الله طيبين مهذبين ؛ وليكون أجرهم أكمل وثوابهم أوفر وأجذل ......... وفى موضع ٍ آخر( فيما يخص الرسول والأنبياء فى الأمور الدنيوية ويطرأ عليه وعليهم فى العوارض البشرية ): ( إنه صلى الله عليه وسلم وسائر الأنبياء والرسل من البشر ، وأن جسمه وظاهره خالص ُ للبشر ، يجوز عليه من الآفات والتغييرات ، والآلام والأسقام ، وتجرع كأس الحمام مايجوز على البشر ، وماهذا كله بنقيصةٍ فيه ؛ لأن الشىء إنما يسمى ناقصاً بالإضافة إلى ما هو أتم منه وأكمل من نوعه؛ وقد كتب الله تعالى على أهل هذه الدار : فيها تحيون ، وفيها تموتون ، ومنها تخرجون ؛ وخلق جميع البشر بمدرجة الغير ، فقد مرض صلى الله عليه وسلم ، واشتكى ، وأصابه الحر والقر ، وأدركه الجوع والعطش ، ولحقه الغضب والضجر ، وناله الإعياء والتعب ، ومسه الضعف والكبر ، وسقط فجحُش شقهُّ ، وشجه الكفار ، وكسروا رباعيته، وسقى السم ، وسحر ، وتداوى ، واحتجم ، وتنشر وتعوذ، ثم قضى نحبه فتوفى صلى الله عليه وسلم ، ولحق بالرفيق الأعلى ، وتخلص من دار الإمتحان والبلوى) . أهـ
قالت عائشة : مارأيت الوجع على أحد أشد منه على رسول الله صلى الله عليه وسلم. ( رواه البخارى ومسلم والترمذى وابن ماجه وأحمد وابن حبان وأبو داود ).
وعن عبدالله : رأيت النبى صلى الله عليه وسلم فى مرضه ، يوعك توعكاً شديداً ، فقلت : إنك لتوعك توعكاً شديداً ، قال :’’ أجل ، إنى أوعك كما يوعك رجلان منكم ’’ ، قلت : ذلك أن لك الأجر مرتين ؛ قال : ’’ أجل ، ذلك بذلك ’’.( رواه البخارى ومسلم وغيرهما )
وكان صلى الله عليه وسلم قبل يوم من وفاته قد أعتق غلمانه ، وتصدق بستة أو سبعة دنانير كانت عنده ، ووهب للمسلمين أسلحته ، وفى الليل أرسلت عائشة بمصباحها امرأة من النساء وقالت: أقطرى لنا فى مصباحنا من عُكَّتك السمن ، وكانت درعه مرهونة عند يهودى ، ورأت فاطمة مابأبيها من الكرب الشديد الذى يتغشاه، فقالت : واكرب أباه . فقال لها : ’’ ليس على أبيك كرب بعد اليوم ’’ ، ودعا الحسن والحسين فقبلهما ، وأوصى بهما خيرا ، ودعا أزواجه فوعظهن وذكرهن .
تقول السيدة عائشة رضى الله عنها : إن من نعم الله علىّ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم توفى فى بيتى وفىيومى وبين سحرى ونحرى ، وأن الله جمع بين ريقى وريقه عند موته . دخل عبد الرحمن – بن أبى بكر – وبيده السواك ، وأنا مسندة رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فرأيته ينظر إليه ، وعرفت أنه يحب السواك ، فقلت : آخذه لك؟
فأشار برأسه أن نعم . فتناولته فاشتد عليه ، وقلت : ألينه لك؟ فأشار برأسه أن نعم. فلينته، فأمره- وفى رواية أنه استن به كأحسن ماكان مستنا – وبين يديه ركوة فيها ماء ، فجعل يدخل يديه فى الماء فيمسح به وجهه ، يقول :’’ لاإله إلا الله ، إن للموت سكرات ’’
ثم نصب يده فجعل يقول فى الرفيق الأعلى حتى قبُض ومالت يده ،....... وماعدا أن فرغ من السواك حتى رفع يده أو أصبعه ، وشخص بصره نحو السقف ، وتحركت شفتاه ، فأصغت إليه عائشة وهو يقول : ’’مع الذين أنعمت عليهم من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين ، اللهم اغفر لى وارحمنى . اللهم ، الرفيق الأعلى’’. ( البخارى )
كرر صلى الله عليه وسلم الكلمة الأخيرة ثلاثاً ، ومالت يده ولحق بالرفيق الأعلى صلى الله عليه وسلم ، وكان ذلك من ضحى يوم الأثنين 12 ربيع الأول سنة 11 هـ ، وقد تم له صلى الله عليه وسلم ثلاث وستون سنة وزادت أربعة أيام .
ولما علمت فاطمة إبنته نبأ وفاته قالت : ياأبتاه أجاب رباً دعاه ، ياأبتاه من جنة الفردوس مأواه ، ياأبتاه إلى جبريل ننعاه ..... وجعل على يغسله ولم يرى من رسول الله صلى الله عليه وسلم شىء مما يرى الميت وهو يقول : بأبى وأمى ماأطيبك حياً وميتاً ... ثم دفن صلى الله عليه وسلم حيث مات فأخروا فراشه وحفروا له تحت فراشه وجعل القبر لحداً ، ودخل الناس الحجرة يصلون عليه عشرة عشرة لايؤمهم أحد ، فصلى عليه أولاً أهل عشيرته ، ثم المهاجرون ، ثم الأنصار ، ثم الصبيان ، ثم النساء ثم الصبيان وقد إستغرق هذا يوم الثلاثاء كله ومعظم ليلة الأربعاء .
قالت عائشة: ماعلمنا بدفن رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى سمعنا صوت المساحى (مايجرف به الطين) من جوف الليل ، فقالت فاطمة لأنس : ياأنس أطابت أنفسكم أن تحثوا على رسول الله صلى الله عليه وسلم التراب . وقال أنس : مارأيت يوماً قط كان أحسن ولالأضوأ من يوم دخل علينا فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ومارأيت يوماً كان أقبح ولاأظلم من يوم مات فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم (رواه الدارمى وكما جاء فى جامع الترمذى أن انس قال : لما كان اليوم الذى دخل فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة أضاء منها كل شىء ، فلما كان اليوم الذى مات فيه أظلم منها كل شىء ، ولما نفضنا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم الأيدى ، وإنا لفى دفنه حتى أنكرنا قلوبنا.
ولاشك أن مصيبة موت النبى صلى الله عليه وسلم أعظم المصائب التى ابتلى الله بها المسلمين ، ولهذا جاءت الأحاديث الصحيحة لتؤكد هذه الحقيقة المؤلمة على القلوب والنفوس ، فعن عائشة رضى الله عنها قالت : فتح رسول الله صلى الله عليه وسلم باباً بينه وبين الناس أو كشف شبراً ، فإذا الناس يصلون وراء أبى بكر ، فحمد الله على مارآه من حسن حالهم ، ورجاء أن يخلفه الله فيهم بالذى رآهم ، فقال صلى الله عليه وسلم :’’ ياأيها الناس أيما أحد من الناس أو من المؤمنين أصيب بمصيبةٍ فليتعز بمصيبته بى عن المصيبة التى تصيبه بغيرى ، فإن أحداً من أمتى لن يصاب بمصيبةٍ أشد عليه من مصيبتى’’. (أخرجه ابن ماجه برقم 1599،وغيره وصححه الألبانى فى صحيح ابن ماجه1/267، والأحاديث الصحيحة برقم 1106، والبداية والتهاية5/276 )
ليس لي هنا من القول الكثير للوقوف علي وجه المعجزة المحمدية بقدر الحيرة من اختياره. نعم هو رسول الله صلى الله عليه وسلم وحبيب الله لكنني لا أتكلم عن الموت والخوف منه وكل ما يفزعنا نحن، أعلم أن من أحب الله أحب الله لقائه ، ولكن ما قصدته المعروض عليه من اختيار، وأعتقد أن أغلبنا لو كان مكانه لما رضي أن يموت مختاراً .
تقول بنت الشاطئ
وتكون آيته بعد أن أتم رسالته أن يجوز عليه المرض والموت كما جازت عليه أعراض البشرية وهمومها وعواطفها من حزن وثكل وضيق وكرب مثلما تجوز علي سائر البشر ، لكيلا يفتن المسلون فينسون أنه بشر رسول ).
وهذا ما أكدناه طوال الصفحات الماضيات أننا كنا نتعامل مع بشريته المعجزة ، التي ما زالت تتحدي بشريتنا وإلي أن يرث الله الأرض ومن عليهــــــــــا ، فصلاة الله وسلامه على سيد الأولين والآخرين . واللهم ياجامع الناس ليوم لاريب فيه ، اجمعنا بنبينا محمد صلى الله عليه وسلم كما جمعت بين الروح والجسد ، واسقنا اللهم بيده الكريمة شربة ماء لانظمأ بعدها أبداً، من حوضه المورود بالفردوس الأعلى من الجنة ، عند مقامه المحمود ، نحن ووالدينا وأزواجنا وذرياتنا والمسلمين أجمعين ...آمين ...آمين ...
ولكــل مبتـــدأ خاتمــــة
ــ سيدي يا رسول الله .. يا حبيب الله.. يا عظيم الخلق والخلقة :
أحببتك دون أن أراك فكنت من إخوانك الذين اشتقت إليهم من الذين أمنوا بك دون أن يروك فيا حبيبي:- رأيت في القرآن معجزة ، وهذه ولا شك لا تحتاج لبرهان ليؤيدها ، ولكنني أري فيك أنك معجزة أيضا ً ، حباً فيك وكرامة ، لا غلو ولا إسراف ، ولا أعلي من شأنك فحسبك سيدنا محمد النبي والرسول وما أعظم به من شرف ومقام محمود وما أكرم بها من مكانه ولكنني فيما تقدم ، وما أفردت له من براهين لست في حــــــاجة لجلائها وعرضهــــا ففيها البرهان واليقين .
ولو أراد الله سبحانه وتعالي أن ينشر نوره لما أنتظر مولدك ، ولأنزل الرسالة علي سواك من البشر ، فقــد كــــان قبلك من العرب الأحناف، ومن الذين لفظوا دينهم ، ودخلوا في النصرانية ، وكان الكثير منهم مشهود له بالفضــــل والفضيلة وحسن الخلق ، ومنهم من هيـــــــأ للنبوة نفسه عندما علم بها من أصحــــاب الديــــانات السابقة إلا أنت يـــــــا رسول الله لم يدخل في روعك يومـــأ أن تكون رسول ولم يحدث أحداً بذلك ، فأخلاق فيك وحميد الخصـــال مــــن فطرة الله لم تؤمر بها ولم تتأسي بها من أحد ، ولم تزل أخــلاقك ومعاملاتك وبسماتك وحنوك وعطفك قبل الرســالة كما هو بعدها ، إنسان متوحد.. لم تكن ذا أخلاق ما ولما بعثك الله برسالته كنت إنساناً بأخلاق أخـــري تليق بجــــــــــلال الرسالة والمهمة ، ليس فيك ازدواجية ، لم تكن يوماً ذا رأيين رأي في الخفاء وآخر في العلن ، ولا يجـــــوز عليك خائنة الأعين .
*** وُلِدتَ بإعجازك ، أنكرت الرذائـل بالفطرة ، وهُديت للإيمان، وجيد الأعمــال بفطرتك .. ولدت كما أنت ، وعشت كما أنت ، ومت كمـــا أنت ، لم تنسـاق لهويً ، ولم تفتن برأي ، ولم تقدك نفسك لما تحــب ، ونصرك الله علي قرينك فعشـــــت منزهــــــا ً ، ومت مختــاراً حبــــاً في القـرب والأنس بجـوار الله .. عليـــــــــك صـــــــــلاة الله وســـــــــــــلامه وبركاتــــــــــــــه....
- يري الكاتب أن رسالة " الإسلام " التي أرسل الله بها نبيه علي قدر عظمتها ، لم يكن يغيب عن الله عز وجل - حاشا لله - وهو الراسل بالرسالة قدر عظمة الرسول فجاءت الرسالة علي قدره صلى الله عليه وسلم يليق بها كما تليق به .
** وإن كان وسيظل القرآن الكريم معجزة الإسلام الخالدة ومعجزة الرسول العقلية صلى الله عليه وسلم إلا أن رسولنا الكريم كان أيضا ًمعجزة ستتعرف عليها عزيزي القارئ بعد أن فصل الكاتب الرسالة عن الرسول لنتعـرف عليه وحده رجلاً .. بشراً.. إنساناً.. ما الذي إضافة للنبوة وما أضافته له النبوة صلى الله عليه وسلم .
** يثبت الكاتب بعد كل ما تقدم ومن خلال مواقف اختارها من حياة الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم إنه كان بحق معجزة أيضاً . بغض النظر عن أن القرآن كان معجزته الأبدية للخلــق ، أو أن الله أجري علي يديه معجزات تعلقت به حال حياته لها صفة الكونيـــة .
- وهذا الكتاب الذي بين يديك ـ عزيزي القارئ ـ يأتي جديداً في موضوعه ؛ فيتناول هـذه الناحيـة من حياة رسولنا الكريم وما أكثر وأكرم مناحيهـا ، دون مبالغــةٍ أو تــزيد أو تطــرف بل مستنداً علي الكتــب الصحاح من الحديث والسيرة .
[b]